الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***
{طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1)} {طس} الله أعلم بمراده بذلك {تِلْكَ} أي هذه الآيات {ءايات القرءان} آيات منه {وكتاب مُّبِينٍ} مظهر للحق من الباطل عطف بزيادة صفة.
{هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)} هو {هُدًى} أي هادٍ من الضلالة {وبشرى لِلْمُؤْمِنِينَ} المصدّقين به بالجنة.
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)} {الذين يُقِيمُونَ الصلاة} يأتون بها على وجهها {وَيُؤْتُونَ} يعطون {الزكواة وَهُمْ بالأخرة هُمْ يُوقِنُونَ} يعلمونها بالاستدلال وأعيد «هم» لما فصل بينه وبين الخبر.
{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)} {إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة زَيَّنَّا لَهُمْ أعمالهم} القبيحة بتركيب الشهوة حتى رأوها حسنة {فَهُمْ يَعْمَهُونَ} يتحيّرون فيها لقبحها عندنا.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5)} {أولئك الذين لَهُمْ سُوءُ العذاب} أشدُّه في الدنيا القتل والأسر {وَهُمْ فِى الأخرة هُمُ الأخسرون} لمصيرهم إلى النار المؤبّدة عليهم.
{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)} {وإِنَّكَ} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم {لَتُلَقَّى القرءان} أي يُلقى عليك بشدّة {مِن لَّدُنْ} من عند {حَكِيمٍ عَلِيمٍ} في ذلك.
{إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)} اذكر {إِذْ قَالَ موسى لأَهْلِهِ} زوجته عند مسيره من مدين إلى مصر {إِنّى ءَانَسْتُ} أبصرت من بعيد {نَاراً سَئَاتِيكُمْ مّنْهَا بِخَبَرٍ} عن حال الطريق وكان قد ضلّها {أَوْ ءَاتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ} بالإِضافة للبيان وتركها أي شعلة نار في رأس فتيلة أو عود {لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} تستدفئون من البرد والطاء بدل من تاء الافتعال، من صَلي بالنار بكسر اللام وفتحها:.
{فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)} {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِىَ أَن} أي بأن {بُورِكَ} أي بارك الله {مَن فِى النار} أي موسى {وَمَنْ حَوْلَهَا} أي الملائكة، أو العكس. وبارك يتعدى بنفسه وبالحرف ويقدّر بعد (في) (مكان) {وسبحان الله رَبِّ العالمين} من جملة ما نودي ومعناه تنزيه الله من السوء.
{يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)} {ياموسى إِنَّهُ} أي الشأن {أَنَا الله العزيز الحكيم}.
{وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)} {وَأَلْقِ عَصَاكَ} فألقاها {فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ} تتحرّك {كَأَنَّهَا جَانٌّ} حية خفيفة {ولى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقّبْ} يرجع. قال الله تعالى: {ياموسى لاَ تَخَفْ} منها {إِنّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ} عندي {المرسلون} من حية وغيرها.
{إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)} {إِلا} لكن {مَن ظَلَمَ} نفسه {ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً} أتاه {بَعْدَ سُوءٍ} أي تاب {فَإِنّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أَقبلُ التوبة وأَغفر له.
{وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12)} {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ} طوق قميصك {تُخْرِجُ} خلاف لونها من الأدمة {بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} برص لها شعاع يغشى البصر، آية {فِي تِسْعِ ءايات} مرسلاً بها {إلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين}.
{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13)} {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ ءاياتنا مُبْصِرَةً} أي مضيئة واضحة {قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ} بيّن ظاهر.
{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)} {وَجَحَدُواْ بِهَا} أي لم يقرّوا {وَ} قد {اسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} أي تيقنوا أنها من عند الله {ظُلْماً وَعُلُوّاً} تكبرا عن الإِيمان بما جاء به موسى راجع إلى الجحد {فانظر} يا محمد صلى الله عليه وسلم {كَيْفَ كَانَ عاقبة المفسدين} التي علمتها من إهلاكهم.
{وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)} {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا دَاوُودَ وسليمان} ابنه {عِلْمًا} بالقضاء بين الناس ومنطق الطير وغير ذلك {وَقَالاَ} شكراً لله {الحمد لِلَّهِ الذى فَضَّلَنَا} بالنبوّة وتسخير الجنّ والإِنس والشياطين {على كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ المؤمنين}.
{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)} {وَوَرِثَ سليمان دَاوُودَ} النبوّة والعلم دون باقي أولاده {وَقَالَ ياأيها الناس عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطير} أي فهم أصواته {وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَئ} تؤتاه الأنبياء والملوك {إِنَّ هَذَا} المؤتى {لَهُوَ الفضل المبين} البيِّن الظاهر.
{وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)} {وَحُشِرَ} جمع {لسليمان جُنُودُهُ مِنَ الجن والإنس والطير} في مسير له {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يجمعون ثم يسافرون.
{حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)} {حتى إِذَا أَتَوْا على وَادِي النمل} هو بالطائف أو بالشام، نمله صغار أو كبار {قَالَتْ نَمْلَةٌ} هي ملكة النمل وقد رأت جند سليمان {ياأيها النمل ادخلوا مساكنكم لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ} يكسرنكم {سليمان وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} نزل النمل منزلة العقلاء في الخطاب بخطابهم.
{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)} {فَتَبَسَّمَ} سليمان ابتداء {ضاحكا} انتهاء {مّن قَوْلِهَا} وقد سمعه من ثلاثة أميال حملته إليه الريح فحبس جنده حين أشرف على واديهم حتى دخلوا بيوتهم وكان جنده ركباناً ومشاة في هذا السير {وَقَالَ رَبّ أَوْزِعْنِى} ألهمني {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التى أَنْعَمْتَ} بها {عَلَىَّ وعلى وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالحا ترضاه وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصالحين} الأنبياء والأولياء.
{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)} {وَتَفَقَّدَ الطير} ليرى (الهُدْهُد) الذي يرى الماء تحت الأرض ويدل عليه بنقره فيها فتستخرجه الشياطين لاحتياج سليمان إليه للصلاة فلم يره {فَقَالَ مَالِيَ لِىَ لاَ أَرَى الهدهد} أي أعرض لي ما منعني من رؤيته؟ {أَمْ كَانَ مِنَ الغائبين} فلم أره لغيبته {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)} فلما تحققها قال {لأُعَذّبَنَّهُ عَذَاباً} تعذيباً {شَدِيداً} بنتف ريشه وذنبه ورميه في الشمس فلا يمتنع من الهوام {أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ} بقطع حلقومه {أَوْ لَيَأْتِيَنّى} بنون مشدّدة مكسورة أو مفتوحة يليها نون مكسورة {بسلطان مُّبِينٍ} ببرهان بيِّن ظاهر على عذره.
{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)} {فَمَكَثَ} بضم الكاف وفتحها {غَيْرَ بَعِيدٍ} أي يسيراً من الزمن، وحضر لسليمان متواضعاً برفع رأسه وإرخاء ذنبه وجناحيه فعفا عنه وسأله عما لقي في غيبته {فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} أي: اطّلعت على ما لم تطلع عليه {وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ} بالصرف وتركه قبيلة باليمن سميت باسم جدّ لهم باعتباره صُرِفَ {بِنَبَإٍ} خبرٍ {يَقِينٍ}.
{إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)} {إِنّى وَجَدتُّ امرأة تَمْلِكُهُمْ} أي: هي ملكة لهم اسمها بلقيس {وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَئ} يحتاج إليه الملوك من الآلة والعدّة {وَلَهَا عَرْشٌ} سرير {عظِيمٌ} طوله ثمانون ذراعاً وعرضه أربعون ذراعاً وارتفاعه ثلاثون ذراعاً مضروب من الذهب والفضة مكلل بالدرّ والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر والزمرد، وقوائمه من الياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر والزمرد عليه سبعة أبواب على كل بيت باب مغلق.
{وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)} {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ الله وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل} طريق الحق {فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ}.
{أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)} {أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ} أي: أن يسجدوا له، فزيدت لا وأدغم فيها نون أن كما في قوله تعالى {لئلا يعلم أهل الكتاب} [29: 57] والجملة في محل مفعول يهتدون بإسقاط إلى {الذى يُخْرِجُ الخبء} مصدر بمعنى المخبوء من المطر والنبات {فِي السموات والارض وَيَعْلَمُ مَا يخافون} في القلوب {وَمَا تُعْلِنُونَ} بالألسنة.
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)} {الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ رَبُّ العرش العظيم} استئناف جملة ثناء مشتمل على عرش الرحمن في مقابلة عرش بلقيس وبينهما بون عظيم.
{قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)} {قَالَ} سليمان للهدهد {سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ} فيما أخبرتنا به {أَمْ كُنتَ مِنَ الكاذبين} أي من هذا النوع؟ فهو أبلغ من أم كذبت فيه، ثم دلّهم على الماء فاستُخْرِجَ وارتووا وتوضؤوا وصلَّوا ثم كتب سليمان كتاباً صورته: «من عبد الله سليمان ابن داود إلى بلقيس ملكة سبأ، بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على من اتبع الهدى أما بعد: فلا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين» ثم طبعه بالمسك وختمه بخاتمه ثم قال للهدهد:
{اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)} {اذهب بّكِتَابِى هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} أي بلقيس وقومها {ثُمَّ تَوَلَّ} انصرف {عَنْهُمْ} وقِفْ قريباً منهم {فانظر مَاذَا يَرْجِعُونَ} يردّون من الجواب فأخذه وأتاها وحولها جندها وألقاه في حجرها فلما رأته ارتعدت وخضعت خوفا، ثم وقفت على ما فيه.
{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)} ثم {قَالَتْ} لأشراف قومها {ياأيها الملا إِنّى} بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بقلبها واواً مكسورة {أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} مختوم.
{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)} {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ} أي مضمونه {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم}.
{أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)} {أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَىَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ}.
{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32)} {قَالَتْ ياأيها الملؤا أَفْتُونِى} بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بقلبها واواً أي أشيروا عليّ {فِى أَمْرِى مَا كُنتُ قاطعة أَمْراً} قاضيته {حتى تَشْهَدُونِ} تحضرون.
{قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)} {قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} أي: أصحاب شدّة في الحرب {والأمر إِلَيْكِ فانظرى مَاذَا تَأْمُرِينَ} ن نطعك.
{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)} {قَالَتْ إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} بالتخريب {وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكذلك يَفْعَلُونَ} أي: مرسلو الكتاب.
{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)} {وَإِنّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المرسلون} من قبول الهدية أو ردّها إن كان ملكاً قبلها أو نبياً لم يقبلها فأرسلت خدماً ذكوراً وإناثاً ألفاً بالسوية وخمسمائة لبنة من الذهب، وتاجاً مكللاً بالجواهر ومسكاً وعنبراً وغير ذلك مع رسول بكتاب فأسرع الهدهد إلى سليمان يخبره الخبر فأمَرَ أن تُضْرَبْ َلِبَناتُ الذهب والفضة وأن تُبسط من موضعه إلى تسعة فراسخ ميداناً وأن يبنوا حوله حائطاً مشرفاً من الذهب والفضة وأن يؤتى بأحسن دواب البَرِّ والبحر مع أولاد الجنّ عن يمين الميدان وشماله.
{فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)} {فَلَمَّا جَآءَ} الرسول بالهدية ومعه أتباعه {سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا ءاتان الله} من النبوّة والملك {خَيْرٌ مّمَّا ءاتاكم} من الدنيا {بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} لفخركم بزخارف الدنيا.
{ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)} {ارجع إِلَيْهِمْ} بما أتيت من الهدية {فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ} لا طاقة {لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مّنْهَا} من بلدهم سبأ سُمِّيَت باسم أبي قبيلتهم {أَذِلَّةً وَهُمْ صاغرون} أي إن لم يأتوني مسلمين فلما رجع إليها الرسول بالهدية جعلت سريرها داخل سبعة أبواب داخل قصرها وقصرها داخل سبعة قصور وأغلقت الأبواب وجعلت عليها حرساً وتجهزت للمسير إلى سليمان لتنظر ماذا يأمرها به فارتحلت في اثني عشر ألف فِيْل، مع كل فيل ألوف كثيرة إلى أن قربت منه على فرسخ شعر بها.
{قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)} {قَالَ ياأيها الملؤأ أَيُّكُمْ} في الهمزتين ما تقدّم {يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ} منقادين طائعين؟ فلي أخذه قبل ذلك لا بعده.
{قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)} {قَالَ عِفْرِيتٌ مّن الجن} هو القويّ الشديد {أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} الذي تجلس فيه للقضاء وهو من الغداة إلى نصف النهار {وَإِنّى عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ} أي على حمله {أَمِينٌ} أي على ما فيه من الجواهر وغيرها قال سليمان أريد أسرع من ذلك.
{قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)} {قَالَ الذى عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الكتاب} المنزل وهو آصف بن برخيا كان صدّيقاً يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعا به أجيب {أَنَاْ ءَاتِيكَ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ} إذا نظرت به إلى شيء فقال له انظر إلى السماء فنظر إليها ثم ردّ بطرفِهِ فوجده موضوعا بين يديه، ففي نظره إلى السماء دعا آصف بالاسم الأعظم أن يأتي الله به فحصل بأن جرى تحت الأرض حتى نبع تحت كرسي سليمان {فَلَمَّا رَءاهُ مُسْتَقِرّاً} أي ساكناً {عِندَهُ قَالَ هذا} أي الإِتيان لي به {مِن فَضْلِ رَبّى لِيَبْلُوَنِى} ليختبرني {ءَأشْكُرُ} بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفاً وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه {أَمْ أَكْفُرُ} النعمة؟ {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} أي لأجلها لأنّ ثواب شكره له {وَمَن كَفَرَ} النعمة {فَإِنَّ رَبّى غَنِىٌّ} عن شكره {كَرِيمٌ} بالإِفضال على من يكفرها.
{قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41)} {قَالَ نَكّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا} أي غيِّروه إلى حال تنكره إذا رأته {نَنظُرْ أَتَهْتَدِى} إلى معرفته {أَمْ تَكُونُ مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ} إلى معرفة ما يغير عليهم قصد بذلك اختبار عقلها لما قيل له إن فيه شيئاً فغيّروه بزيادة أو نقص أو غير ذلك.
{فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)} {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ} لها {أَهَكَذَا عَرْشُكِ}؟أي أمثل هذا عرشك؟ {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} أي فعرفته وشبهت عليهم كما شبهوا عليها إذ لم يقل أهذا عرشك؟ ولو قيل هذا قالت: نعم. قال سليمان: لما رأى لها معرفة وعلماً {وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ}.
{وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)} {وَصَدَّهَا} عن عبادة الله {مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله} أي غيره {إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كافرين}.
{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)} {قِيلَ لَهَا} أيضاً {ادخلى الصرح} هو سطح من زجاج أبيض شفاف تحته ماء عذب جار فيه سمك اصطنعه سليمان لما قيل له إن ساقيها وقدميها كقدمي الحمار {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} من الماء {وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا} لتخوضه وكان سليمان على سريره في صدر الصرّح فرأى ساقيها وقدميها حساناً {قَالَ} لها {إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ} مملس {مّن قَوارِيرَ} أي زجاج ودعاها إلى الإِسلام {قَالَتْ رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى} بعبادة غيرك {وَأَسْلَمْتُ} كائنة {مَعَ سليمان لِلَّهِ رَبِّ العالمين} وأراد تزوّجها فكره شعر ساقيها فعملت له الشياطين النورة فأزالته فتزوجها وأحبها وأقرّها على ملكها وكان يزورها في كل شَهْرٍ مرة ويقيم عندها ثلاثة أيام وانقضى ملكها بانقضاء ملك سليمان روي أنه ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة فسبحان من لا انقضاء لدوام ملكه.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)} {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ} من القبيلة {صالحا أَنِ} أي بأن {اعبدوا الله} وحِّدوه {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} في الدين فريق مؤمنون من حين إرساله إليهم وفريق كافرون.
{قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)} {قَالَ} للمكذبين {ياقوم لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة} أي بالعذاب قبل الرحمة؟ حيث قلتم إن كان ما أتيتنا به حقاً فأتنا بالعذاب {لَوْلاَ} هلا {تَسْتَغْفِرُونَ الله} من الشرك {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فلا تعذبون؟
{قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)} {قَالُواْ اطيرنا} أصله تطيرنا أدغمت التاء في الطاء واجتلبت همزة الوصل أي تشاءمنا {بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ} أي المؤمنين حيث قُحِطوا المطر وجاعوا {قَالَ طَائِرُكُمْ} شؤمكم {عَندَ الله} أتاكم به {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} تختبرون بالخير والشر.
{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)} {وَكَانَ فِى المدينة} مدينة ثمود {تِسْعَةُ رَهْطٍ} أي رجال {يُفْسِدُونَ فِى الأرض} بالمعاصي، منها قَرْضُهُم الدنانير والدراهم {وَلاَ يُصْلِحُونَ} بالطاعة.
{قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)} {قَالُواْ} أي قال بعضهم لبعض {تَقَاسَمُواْ} أي احلفوا {بالله لَنُبَيّتَنَّهُ} بالنون والتاء وضم التاء الثانية {وَأَهْلَهُ} أي مَن آمن به أي نقتلهم ليلاً {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ} بالنون والتاء وضم اللام الثانية {لِوَلِيّهِ} وليِّ دمه {مَا شَهِدْنَا} حضرنا {مَهْلِكَ أَهْلِهِ} بضم الميم وفتحها أي إهلاكهم أو هلاكهم فلا ندري من قتلهم {وِإِنَّا لصادقون}.
{وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)} {وَمَكَرُواْ} في ذلك {مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً} أي جازيناهم بتعجيل عقوبتهم {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}.
{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)} {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة مَكْرِهِمْ أَنَّا دمرناهم} أهلكناهم {وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} بصيحة جبريل أو برمي الملائكة بحجارة يرونها ولا يرونهم.
{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)} {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} أي خالية ونصبه على الحال والعامل فيها معنى الإِشارة {بِمَا ظَلَمُواْ} بظلمهم أي كفرهم {إِنَّ فِى ذَلِكَ لأيَةً} لعبرة {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} قدرتنا فيتعظون.
{وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)} {وَأَنجَيْنَا الذين ءَامَنُواْ} بصالح وهم أربعة آلاف {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} الشرك.
{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)} {وَلُوطاً} منصوب باذكر مقدّراً قبله ويبدل منه {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفاحشة} أي اللواط {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ}؟ أي يبصر بعضكم بعضاً انهماكاً في المعصية.
{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)} {أَئِنَّكُمْ} بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين {لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً مّن دُونِ النساء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} عاقبة فعلكم.
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)} {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءالَ لُوطٍ} أهله {مّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} من أدبار الرجال.
{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57)} {فأنجيناه وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته قدرناها} جعلناها بتقديرنا {مِنَ الغابرين} الباقين في العذاب.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)} {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} هو حجارة السجيل أهلكتَهم {فَسَاءَ} بئس {مَطَرُ المنذرين} بالعذاب مطرهم.
{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)} {قُلْ} يا محمد صلى الله عليه وسلم {الحمد للَّهِ} على هلاك كفار الأمم الخالية {وسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصطفى} هم {ءَآللَّهُ} بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفاً وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه {خَيْرٌ} لمن يعبده {أَمَّا يُشْرِكُونَ} بالتاء والياء أي أهل مكة به؟
{أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)} الآلهة خير لعابديها؟ {أَمَّنْ خَلَقَ السموات والأرض وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السماء مَاء فَأَنبَتْنَا} فيه التفات من الغيبة إلى التكلم {بِهِ حَدَائِقَ} جمع حديقة وهو البستان المحوط {ذَاتَ بَهْجَةٍ} حُسن {مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا} لعدم قدرتكم عليه {أءلاه} بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين في مواضعه السبعة {مَعَ الله} أعانه على ذلك؟ أي ليس معه إله {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} يشركون بالله غيره.
{أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)} {أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً} لا تميد بأهلها {وَجَعَلَ خِلاَلَهَا} فيما بينها {أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ} جبالاً أثبت بها الأرض {وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين حَاجِزاً} بين العذب والملح لا يختلط أحدهما بالآخر {أءلاه مَّعَ الله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} توحيده.
{أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)} {أَمَّن يُجِيبُ المضطر} المكروب الذي مسَّه الضرّ {إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السوء} عنه وعن غيره {وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاء الارض} الإِضافة بمعنى في: أي يخلف كل قرن القرن الذي قبله {أءلاه مَّعَ الله قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} تتعظون بالفوقانية والتحتانية وفيه إدغام التاء في الذال وما زائدة لتقليل القليل.
{أَمْ مَنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)} {أَمَّن يَهْدِيكُمْ} يرشدكم إلى مقاصدكم {فِى ظلمات البر والبحر} بالنجوم ليلاً وبعلامات الأرْض نَهاراً {وَمَن يُرْسِلُ الرياح بُشْرًاَ بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ} أي قدّام المطر {أءلاه مَّعَ الله تَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} به غيره.
{أَمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)} {أَمَّن يَبْدَأُ الخلق} في الأرحام من نطفة {ثُمَّ يُعِيدُهُ} بعد الموت؟ وإن لم تعترفوا بالإِعادة لقيام البراهين عليها {وَمَن يَرْزُقُكُم مّنَ السماء} بالمطر {والأرض} بالنبات {أءلاه مَّعَ الله} أي لا يفعل شيئاً مما ذكر إلا الله ولا إله معه {قُلْ} يا محمد صلى الله عليه وسلم {هَاتُواْ برهانكم} حجتكم {إِن كُنتُمْ صادقين} أن معي إلهاً فعل شيئاً مما ذكر.
{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)} وسألوه عن وقت قيام الساعة فنزل: {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى السموات والارض} من الملائكة والناس {الغيب} أي ما غاب عنهم {إِلا} لكن {الله} يعلمه {وَمَا يَشْعُرُونَ} أي كفار مكة كغيرهم {أَيَّانَ} وقت {يُبْعَثُونَ}.
{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)} {بَلِ} بمعنى هل {ادارك} بتشديد الدال وأصله (تدارك) أبدلت التاء دالاً وأدغمت في الدال واجتلبت همزة الوصل تتابع وتلاحق وفي قراءة (أدرك) بوزن أكرم) أي بلغ ولحق {عِلْمُهُمْ فِى الاخرة} أي بها حتى سألوا عن وقت مجيئها، ليس الأمر كذلك {بَلْ هُمْ فِى شَكّ مّنْهَا بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ} من عمى القلب وهو أبلغ مما قبله والأصل عميون استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى الميم بعد حذف كسرتها.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67)} {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} أيضاً في إنكار البعث {أَءِذَا كُنَّا تُرَاباً وَءَابَآؤُنَآ أَءِنَّا لَمُخْرَجُونَ} من القبور؟
{لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)} {لَقَدْ وُعِدْنَا هذا نَحْنُ وَءَابَآؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ} ما {هذا إِلاَّ أساطير الأولين} جمع أسطورة بالضم أي ما سطر من الكذب.
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)} {قُلْ سِيرُواْ فِى الأرض فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة المجرمين} بإنكارهم، وهي هلاكهم بالعذاب.
{وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)} {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِى ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أي لا تهتم بمكرهم عليك فإنّا ناصروك عليهم.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71)} {وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} بالعذاب {إِن كُنتُمْ صادقين} فيه؟
{قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)} {قُلْ عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ} قرب {لَكُم بَعْضُ الذى تَسْتَعْجِلُونَ} فحصل لهم القتل ببدر وباقي العذاب يأتيهم بعد الموت.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73)} {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس} ومنه تأخير العذاب عن الكفار {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} فالكفار لا يشكرون تأخير العذاب لإِنكارهم وقوعه.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74)} {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} تخفيه {وَمَا يُعْلِنُونَ} بألسنتهم.
{وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)} {وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِى السمآء والأرض} الهاء للمبالغة: أي شيء في غاية الخفاء على الناس {إِلاَّ فِى كتاب مُّبِينٍ} بيّن هو اللوح المحفوظ ومكنون علمه تعالى، ومنه تعذيب الكفار.
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)} {إِنَّ هذا القرءان يَقُصُّ على بَنِى إسراءيل} الموجودين في زمان نبينا {أَكْثَرَ الذى هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي ببيان ما ذكر على وجهه الرافع للاختلاف بينهم لو أخذوا به وأسلموا.
{وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77)} {وَإِنَّهُ لَهُدًى} من الضلالة {وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} من العذاب.
{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78)} {إِن رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم} كغيرهم يوم القيامة {بِحُكْمِهِ} أي عدله {وَهُوَ العزيز} الغالب {العليم} بما يحكم به، فلا يمكن أحداً مخالفته، كما خالف الكفار في الدنيا أنبياءه.
{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)} {فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} ثق به {إِنَّكَ عَلَى الحق المبين} أي الدين البيَّن، فالعاقبة لك بالنصر على الكفار، ثم ضرب أمثالاً لهم بالموتى وبالصم وبالعمي، فقال:
{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)} {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعآء إِذَا} بتحقيق الهمزتين، وتسهيل الثانية بينها وبين الياء {وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ}.
{وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)} {وَمآ أَنتَ بِهَادِى العمى عَن ضلالتهم إِن} ما {تُسْمِعُ} سماع إفهام وقبول {إلاَّ مَن يُؤْمِنُ بئاياتنا} القرآن {فَهُم مُّسْلِمُونَ} مخلصون بتوحيد الله.
{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)} {وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم} حق العذاب أن ينزل بهم في جملة الكفار {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ} أي تكلم الموجودين حين خروجها بالعربية تقول لهم من جملة كلامها عنا {إِنَّ الناس} أي كفار مكة، وعلى قراءة فتح همزة «أنّ» تقدّر الباء بعد (تُكَلِّمهم) {كَانُوا بئاياتنا لاَ يُوقِنُونَ} أي لا يؤمنون بالقرآن المشتمل على البعث والحساب والعقاب، وبخروجها ينقطع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يؤمن كافر، {وَأُوحِىَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءَامَنَ} [36: 11].
{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)} {وَ} اذكر {يَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمَّةٍ فَوْجاً} جماعة {مِّمَّن يُكَذِّبُ بئاياتنا} وهم رؤساؤهم المتبعون {فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي يجمعون يردّ آخرهم إلى أوّلهم ثم يساقون.
{حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84)} {حتى إِذَا جَآءُو} مكان الحساب {قَالَ} تعالى لهم {أَكَذَّبْتُم} أنبيائي {بئاياتي وَلَمْ تُحِيطُواْ} من جهة تكذيبكم {بِهَا عِلْماً أَمَّا} فيه إدغام «ما» الاستفهامية {ذَا} موصول أي ما الذي {كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} مما أمرتم به؟.
{وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85)} {وَوَقَعَ القول} حقَّ العذاب {عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُواْ} أي أشركوا {فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ} إذ لا حجة لهم.
{أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)} {أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا} خلقنا {الَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ} كغيرهم {والنهار مُبْصِراً} بمعنى يُبْصَرُ فيه ليتصرّفوا فيه {إِنَّ فِى ذَلِكَ لأيات} دلالات على قدرته تعالى {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} خصوا بالذكر لانتفاعهم بها في الإِيمان بخلاف الكافرين.
{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)} {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِى الصور} القرن النفخة الأولى من إسرافيل {فَفَزِعَ مَن فِى السموات وَمَن فِى الأرض} أي خافوا الخوف المفضي إلى الموت كما في آية أخرى {فَصَعِقَ} [68: 39] والتعبير فيه بالماضي لتحقق وقوعه {إِلاَّ مَن شَاء الله} أي جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت. وعن ابن عباس: هم الشهداء إذ هم {أَحيآءٌ عِندَ رَبِّهمْ يُرْزَقُونَ} [169: 3] {وَكُلٌّ} تنوينه عوض عن المضاف إليه أي وكلهم بعد إحيائهم يوم القيامة {أَتَوْهُ} بصيغة الفعل واسم الفاعل {داخرين} صاغرين، والتعبير في الإِتيان بالماضي لتحقق وقوعه.
{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)} {وَتَرَى الجبال} تبصرها وقت النفخة {تَحْسَبُهَا} تظنها {جَامِدَةً} واقفة مكانها لعظمها {وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب} المطر إذا ضربته الريح أي تسير سيره حتى تقع على الأرض فتستوي بها مبسوسة، ثم تصير] {كَالعِهْنِ} [70: 9 و101: 5] ثم تصير {هبآءً مَّنثُوراً} [23: 25] {صُنْعَ الله} مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله أضيف إلى فاعله بعد حذف عامله: أي صنع الله ذلك صنعاً {الذى أَتْقَنَ} أحكم {كُلَّ شَئ} صنعه {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} بالياء والتاء أي أعداؤه من المعصية وأولياؤه من الطاعة.
{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ (89)} {مَن جَآءَ بالحسنة} أي لا إله إلا الله، يوم القيامة {فَلَهُ خَيْرٌ} ثواب {مِّنْهَا} أي بسببها وليس للتفضيل، إذ لا فعل خير منها. وفي آية أخرى {عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [160: 6] {وَهُمْ} أي الذين جاءوا بها {مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ} بالإضافة وكسر الميم وفتحها، وفزعٍ منوّناً وفتح الميم {ءَامِنُونَ}.
{وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)} {وَمَن جآءَ بالسيئة} أي الشرك {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى النار} بأن وَلِّيتْها، وذكرت الوجوه لأنها موضع الشرف من الحواس، فغيرها من باب أولى، ويقال لهم تبكيتاً: {هَلْ} أي ما {تُجْزَوْنَ إِلاَّ} جزاء {مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} من الشرك والمعاصي؟.
{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)} قل لهم: {إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البلدة} أي مكة {الذى حَرَّمَهَا} أي جعلها حرماً آمناً لا يسفك فيها دم الإنسان ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلي خلاها، وذلك من النعم على قريش أهلها في رفع الله عن بلدهم العذاب والفتن الشائعة في جميع بلاد العرب {وَلَهُ} تعالى {كُلُّ شَئ} فهو ربه وخالقه ومالكه {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين} لله بتوحيده.
{وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)} {وَأَنْ أَتْلُوَ القرءان} عليكم تلاوة الدعوى إلى الإِيمان {فَمَنِ اهتدى} له {فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ} أي لأجلها فإن ثواب اهتدائه له {وَمَن ضَلَّ} عن الإِيمان وأخطأ طريق الهدى {فَقُلْ} له {إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ المنذرين} المخوِّفين فليس عليَّ إلا التبليغ، وهذا قبل الأمر بالقتال.
{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)} {وَقُلِ الحمد للَّهِ سَيُرِيكُمْ ءاياته فَتَعْرِفُونَهَا} فأراهم الله يوم بدر القتل والسبي وضرب الملائكة {وجوههم وَأَدْبارَهُمْ} [50: 8] وعجلهم الله إلى النار {وَمَا رَبُّكَ بغافل عَمَّا يَعْمَلُونَ} بالياء والتاء، وإنما يمهلهم لوقتهم
{طسم (1)} {طسم} الله أعلم بمراده بذلك.
{تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)} {تِلْكَ} أي هذه الآيات {ءايات الكتاب} الإِضافة بمعنى من {المبين} المظهر الحق من الباطل.
{نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3)} {نَتْلُو} نقُصّ {عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ} خبر {موسى وَفِرْعَوْنَ بالحق} الصدق {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} لأجلهم لأنهم المنتفعون به {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)} {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ} تعظّم {فِى الأرض} أرض مصر {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً} فِرَقاً في خدمته {يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ} هم بنو إسرائيل {يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ} المولودين {وَيَسْتَحِى نِسَآءَهُم} يستبقيهنّ أحياء، لقول بعض الكهنة له: إنّ مولوداً يولد في بني إسرائيل يكون سبب زوال ملكك {إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين} بالقتل وغيره {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)} {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِى الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ياء: يُقْتَدَى بهم في الخير {وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين} ملك فرعون {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)} {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الأرض} أرض مصر والشام {وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا} وفي قراءة ويرى بفتح التحتانية والراء ورفع الأسماء الثلاثة {مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ} يخافون من المولود الذي يذهب ملكهم على يديه {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)} {وَأَوْحَيْنَآ} وحي إلهام أو منام {إلى أُمِّ موسى} وهو المولود المذكور ولم يشعر بولادته غير أخته {أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى اليم} البحر أي النيل {وَلاَ تَخَافِى} غَرَقه {وَلاَ تَحْزَنِى} لفراقه {إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين} فأرضعته ثلاثة أشهر لا يبكي، وخافت عليه فوضعته في تابوت مطليٍّ بالقار من داخل ممهد له فيه وأغلقته وألقته في بحر النيل ليلاً {فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)} {فالتقطه} بالتابوت صبيحة الليل {ءَالُ} أعوان {فِرْعَوْنُ} فوضعوه بين يديه وفُتح وأُخرج منه موسى وهو يمصّ من إبهامه لبناً {لِيَكُونَ لَهُمْ} في عاقبة الأمر {عَدُوًّا} يقتل رجالهم {وَحَزَناً} يستعبد نساءهم وفي قراءة بضم الحاء وسكون الزاي لغتان في المصدر، وهو هنا بمعنى اسم الفاعل من حزنه كأحزنه {إِنَّ فِرْعَوْنَ وهامان} وزيره {وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خاطئين} من الخطيئة أي عاصين فعوقبوا على يديه {وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)} {وَقَالَتِ امرأت فِرْعَوْنَ} وقد همَّ مع أعوانه بقتله: هو {قُرَّةُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عسى أَن يَنْفَعَنآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} فأطاعوها {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بعاقبة أمرهم معه.
{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)} {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى} لما علمت بالتقاطه {فارغا} مما سواه {إِن} مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي إنها {كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ} أي بأنه ابنها {لَوْلآ أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا} بالصبر أي سكّناه {لِتَكُونَ مِنَ المؤمنين} المصدّقين بوعد الله، وجواب لولا دل عليه ما قبله {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)} {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ} مريم {قُصِّيهِ} أي اتبعي أثره حتى تعلمي خبره {فَبَصُرَتْ بِهِ} أبصرته {عَن جُنُبٍ} من مكان بعيد اختلاساً {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أنها أخته وأنها ترقبه {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)} {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المراضع مِن قَبْلُ} أي قبل ردّه إلى أُمّه أي منعناه من قبول ثدي مرضعة غير أُمّه فلم يقبل ثدي واحدة من المراضع المحضرة له {فَقَالَتْ} أخته {هَلْ أَدُلُّكُمْ على أَهْلِ بَيْتٍ} لما رأت حنوّهم عليه {يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} بالإِرضاع وغيره {وَهُمْ لَهُ ناصحون} وفَسَّرَت ضمير «له» بالمَلِكِ جواباً لهم فأجيبت، فجاءت بأمّه فقبل ثديها وأجابتهم عن قبوله بأنها طيبة الريح طيبة اللبن فأذن لها في إرضاعه في بيتها، فرجعت به كما قال تعالى:
{فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)} {فرددناه إلى أُمِّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} بلقائه {وَلاَ تَحْزَنَ} حينئذ {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ الله} بردّه إليها {حَقٌّ ولكن أَكْثَرَهُمْ} أي الناس {لاَ يَعْلَمُونَ} بهذا الوعد ولا بأنّ هذه أخته وهذه أمّه، فمكث عندها إلى أن فطمته وأجرى عليها أجرتها لكل يوم دينار، وأخذتها لأنها مال حربيّ، فأتت به فرعون فتربى عنده كما قال تعالى حكاية عنه في سورة (الشعراء) {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} [18: 26].
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)} {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} وهو ثلاثون سنة أو وثلاث {واستوى} أي بلغ أربعين سنة {ءاتيناه حُكْمًا} حكمة {وَعِلْماً} فقهاً في الدين قبل أن يبعث نبياً {وكذلك} كما جزيناه {نَجْزِى المحسنين} لأنفسهم.
{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)} {وَدَخَلَ} موسى {المدينة} مدينة فرعون وهي (مَنْفُ) بعد أن غاب عنها مدّة {على حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا} وقت القيلولة {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هذا مِن شِيعَتِهِ} أي إسرائيليّ {وهذا مِنْ عَدُوِّهِ} أي قبطي يسخر الإسرائيلي ليحمل حطباً إلى مطبخ فرعون {فاستغاثه الذى مِن شِيعَتِهِ عَلَى الذى مِنْ عَدُوِّهِ} فقال له موسى خلِّ سبيله، فقيل إنه قال لموسى لقد هممت أن أحمله عليك {فَوَكَزَهُ موسى} أي ضربه بجمع كفه وكان شديد القوّة والبطش {فقضى عَلَيْهِ} أي قتله ولم يكن قَصَدَ قتله ودفنه في الرمل {قَالَ هذا} أي قتله {مِنْ عَمَلِ الشيطان} المهيّج غضبي {إِنَّهُ عَدُوٌّ} لابن آدم {مُّضِلٌّ} له {مُّبِينٌ} بيِّن الإِضلال.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)} {قَالَ} نادماً {رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى} بقتله {فاغفر لِى فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم} أي المتصف بهما أزلاً وأبداً.
{قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)} {قَالَ رَبِّ بِمآ أَنْعَمْتَ} بحق إنعامك {عَلَىَّ} بالمغفرة اعصمني {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً} عوناً {لِّلْمُجْرِمِينَ} الكافرين بعد هذه إن عصمتني.
{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18)} {فَأَصْبَحَ فِى المدينة خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ} ينتظر ما يناله من جهة القتيل {فَإِذَا الذى استنصره بالأمس يَسْتَصْرِخُهُ} يستغيث به على قبطيٍّ آخر {قَالَ لَهُ موسى إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ} بيِّن الغواية لما فعلته بالأمس واليوم.
{فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)} {فَلَمَّآ أَنْ} زائدة {أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بالذى هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا} لموسى والمستغيث به {قَالَ} المستغيث ظانّاً أنه يبطش به لما قال له {ياموسى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بالأمس إِن} ما {تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِى الأرض وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ المصلحين} فسمع القبطي ذلك فعلم أن القاتل موسى، فانطلق إلى فرعون فأخبره بذلك، فأمر فرعون الذبّاحين بقتل موسى فأخذوا في الطريق إليه.
{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)} {وَجَآءَ رَجُلٌ} هو مؤمن آل فرعون {مِنْ أَقْصَا المدينة} آخرها {يسعى} يسرع في مشيه من طريق أقرب من طريقهم {قَالَ ياموسى إِنَ الملأ} من قوم فرعون {يَأْتَمِرُونَ بِكَ} يتشاورون فيك {لِيَقْتُلُوكَ فاخرج} من المدينة {إِنِّى لَكَ مِنَ الناصحين} في الأمر بالخروج.
{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)} {فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ} لحوق طالب أو غوث الله إياه {قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ القوم الظالمين} قوم فرعون.
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)} {وَلَمَّا تَوَجَّهَ} قصد بوجهه {تِلْقَاء مَدْيَنَ} جهتها وهي قرية شعيب مسيرة ثمانية أيام من مصر سميت بمدين بن إبراهيم ولم يكن يعرف طريقها {قَالَ عسى رَبّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاء السبيل} أي قصد الطريق أي الطريق الوسط إليها فأرسل الله له ملكا بيده (عَنَزَةٌ) فانطلق به إليها.
{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)} {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} بئر فيها أي وصل إليها {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً} جماعة {مِّنَ الناس يَسْقُونَ} مواشيهم {وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ} أي سواهم {امرأتين تَذُودَانِ} تمنعان أغنامهما عن الماء {قَالَ} موسى لهما {مَا خَطْبُكُمَا} أي ما شأنكما لا تسقيان؟ {قَالَتَا لاَ نَسْقِى حتى يُصْدِرَ الرعاء} جمع راع أي يرجعون من سقيهم خوف الزحام فنسقي وفي قراءة يصدر من الرباعي أي يصرفون مواشيهم عن الماء {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} لا يقدر أن يسقي.
{فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)} {فسقى لَهُمَا} من بئر أخرى بقربها رفع حجراً عنها لا يرفعه إلا عشرة أنفس {ثُمَّ تولى} انصرف {إِلَى الظل} لسمرة من شدّة حرّ الشمس وهو جائع {فَقَالَ رَبِّ إِنّى لِمَا أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ} طعام {فَقِيرٌ} محتاج فرجعتا إلى أبيهما في زمن أقلّ مما كانتا ترجعان فيه فسألهما عن ذلك فأخبرتاه بمن سقى لهما فقال لإِحداهما: ادعيه لي.
{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)} قال تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى عَلَى استحياء} أي واضعة كُمَّ درعها على وجهها حياءً منه {قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} فأجابها منكراً في نفسه أخذ الأجرة كأنها قصدت المكافأة إن كان ممن يريدها فمشت بين يديه فجعلت الريح تضرب ثوبها فتكشف ساقيها فقال لها: امشي خلفي ودُلّيني على الطريق ففعلت إلى أن جاء أباها وهو شعيب عليه السلام وعنده عشاء فقال له اجلس فتعشَّ، قال: أخاف أن يكون عوضاً مما سقيت لهما وإنّا أهلُ بيت لا نطلب على عمل خيرٍ عوضاً قال لا، عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ونطعم الطعام فأكل وأخبره بحاله، قال تعالى {فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ القصص} مصدر بمعنى المقصوص من قتله القبطي وقصدهم قتله وخوفه من فرعون {قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القوم الظالمين} إذ لا سلطان لفرعون على (مدين).
{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)} {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا} وهي المرسَلة الكبرى أو الصغرى {ياأبت استئجره} اتخذه أجيراً يرعى غنمنا أي بدلنا {إِنَّ خَيْرَ مَنِ استئجرت القوى الأمين} أي استأجره لقوّته وأمانته فسألها عنهما فأخبرته بما تقدّم من رفعه حجر البئر ومن قوله لها: امشي خلفي وزيادة أنها لما جاءته وعلم بها صَوَّبَ رأسه فلم يرفعه فرغب في إنكاحه.
{قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)} {قَالَ إِنّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتى هَاتَيْنِ} وهي الكبرى أو الصغرى {على أَن تَأْجُرَنِى} تكون أجيراً لي في رعي غنمي {ثَمَانِىَ حِجَجٍ} أي سنين {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً} أي رَعْيَ عشر سنين {فَمِنْ عِندِكَ} التمام {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} باشتراط العشر {سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله} للتبرّك {مّنَ الصالحين} الوافين بالعهد.
{قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)} {قَالَ} موسى {ذلك} الذي قلته {بَيْنِى وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجلين} الثمان أو العشر وما زائدة أي رعيه {قُضِيَتِ} به أي فرغت منه {فَلاَ عُدْوَانَ عَلَىَّ} بطلب الزيادة عليه {والله على مَا نَقُولُ} أنا وأنت {وَكِيلٌ} حفيظ أو شهيد فتمّ العقد بذلك وأمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه وكانت عصا الأنبياء عنده فوقع في يدها عصا آدم من آس الجنة فأخذها موسى بعلم شعيب.
{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)} {فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل} أي رعيه وهو ثمان أو عشر سنين وهو المظنون به {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} زوجته بإذن أبيها نحو مصر {ءَانَسَ} أبصر من بعيد {مِن جَانِبِ الطور} اسم جبل {نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امكثوا} هنا {إِنِّى ءَانَسْتُ نَاراً لَّعَلِى ءَاتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ} عن الطريق وكان قد أخطأها {أَوْ جَذْوَةٍ} بتثليث الجيم قطعة وشعلة {مّنَ النار لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} تستدفئون، والطاء بدل من تَاء الافتعال من صلي بالنار بكسر اللام وفتحها.
{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)} {فَلَمَّا أتاها نُودِىَ مِن شاطئ} جانب {الواد الأيمان} لموسى {فِى البقعة المباركة} بسماعه كلام الله فيها {مِنَ الشجرة} بدل من شاطئ بإعادة الجار لنباتها فيه وهي شجرة (عُنَّاب) أو (عُلَّيق) أو (عوسج) {أن} مفسرة لا مخففة {ياموسى إِنِّى أَنَا الله رَبُّ العالمين}.
{وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31)} {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} فألقاها {فَلَمَّا رَءاهَا تَهْتَزُّ} تتحرّك {كَأَنَّهَا جَانٌّ} وهي الحية الصغيرة من سرعة حركتها {ولى مُدْبِراً} هارباً منها {وَلَمْ يُعَقّبْ} أي يرجع فنودي {ياموسى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الأمنين}.
{اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)} {اسلك} ادخل {يَدَكَ} اليمنى بمعنى الكفّ {فِى جَيْبِكَ} هو طوق القميص وأخرجها {تَخْرُجْ} خلاف ما كانت عليه من الأدمة {بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} أي برص فأدخلها وأخرجها تضيء كشعاع الشمس تغشي البصر {واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب} بفتح الحرفين وسكون الثاني مع فتح الأول وضمه أي الخوف الحاصل من إضاءة اليد بأن تدخلها في جيبك فتعود إلى حالتها الأولى وعبر عنها بالجناح لأنها للإِنسان كالجناح للطائر {فَذَانِكَ} بالتشديد والتخفيف أي العصا واليد وهما مؤنثان وإنما ذكر المشار به إليهما المبتدأ لتذكير خبره {برهانان} مرسلان {مِن رَّبّكَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين}.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33)} {قَالَ رَبِّ إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً} هو القبطي السابق {فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ} به.
{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34)} {وَأَخِى هارون هُوَ أَفْصَحُ مِنِّى لِسَاناً} أَبْيَن {فَأَرْسِلْهِ مَعِىَ رِدْءاً} معيناً وفي قراءة بفتح الدال بلا همزة {يُصَدّقُنِى} بالجزم جواب الدعاء وفي قراءة بالرفع وجملته صفة ردْءاً {إِنِّى أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ}.
{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)} {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ} نقوّيك {بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سلطانا} غلبة {فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} بسوء، اذهبا {باياتنا أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون} لهم.
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36)} {فَلَمَّا جَاءَهُم موسى بئاياتنا بينات} واضحات حال {قَالُواْ مَا هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى} مختلق {وَمَا سَمِعْنَا بهذا} كائنا {فِى} أيام {ءَابائِنَا الأولين}.
{وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37)} {وَقَالَ} بواو وبدونها {موسى رَبِّى أَعْلَمُ} أي عالم {بِمَن جَاءَ بالهدى مِنْ عِندِهِ} الضمير للرب {وَمَنْ} عطف على «مَنْ» قبلها {تَكُونُ} بالفوقانية والتحتانية {لَهُ عاقبة الدار} أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة أي وهو أنا في الشقين فأنا محق فيما جئت به {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} الكافرون.
|